اخبار عامة
الشهر العقاري والثروة العقارية

2015-07-12 02:07:50

بقلم د. حازم الببلاوي رئيس وزراء مصر الاسبق

الشهر العقاري والثروة العقارية 

نشر هذا المقال للدكتور حازم الببلاوي  رئيس وزراء مصر الاسبق بجريدة الاهرام بعددها رقم 44960 بتاريخ ا يناير 2010

 

جاء قانون الضريبة علي العقارات المبنية مناسبة لفتح ملف الثروة العقارية في مصر‏.‏ وإذا كانت الدولة لم تهتم ــ عند إصدار هذا القانون ــ إلا بجانب الجباية‏,,‏ فربما قد آن الأوان لإعادة تأهيل القطاع العقاري حتي يقوم بدوره المنوط به في الحياة الاقتصادية في ظروف صحية وسليمة‏.‏
 

 

وكانت مصر قد اتجهت منذ السبعينات إلي الأخذ بنظام اقتصاد السوق, ثم عمدت إلي تعديل الدستور بغرض إسقاط الإشارة إلي النظام الاشتراكي لتأكيد تحول النظام الاقتصادي. ولايخفي أن اقتصاد السوق يستند إلي المبادرة الفردية والتي تتطلب الاعتراف بحقوق الأفراد وحرياتهم, وفي المقدمة الملكية الخاصة. ومن هنا تصبح حقوق الملكية أحد أهم الأسس التي يقوم عليها هذا النظام. وقد حرصت في مقالي السابق بتاريخ27 ديسمبر2009 بمناسبة هذه الضريبة, علي تأكيد أهمية إدماج الثروة العقارية في دائرة النشاط الاقتصادي, وأن الأولوية كانت تقتضي البدء بإعادة الاعتبار إلي قطاع العقارات المبنية قبل مطالبته بتحمل نصيبه من الاعباء العامة. أما فرض هذه الأعباء علي قطاع مشوه تغلب عليه الفوضي, فإنه لم يساعد علي تحقيق النتائج المرجوة في مجال التنمية الاقتصادية الشاملة. وقد رأيت أنه قد يكون من المناسب عرض تصور متكامل لإعادة الاعتبار للثروة العقارية, وذلك دون إدعاء بأن هذا التصور يحيط بكافة العناصر اللازمة لتأهيل الثروة العقارية, وإن كان يطرح, علي الأقل, عددا من أهم هذه العناصر.


1ــ الشهر العقاري: الملكية حق للمالك علي الشيء, ويتمتع المالك بهذا الحق ليس في مواجهة فرد أو أفراد معينين فقط, وإنما في مواجهة الكافة. ولذلك فإن حق الملكية يجب أن يتمتع بالاعتراف من الجميع وأن يتم احترامه من الكافة. وهذا يتطلب أن يكون هذا الحق ثابتا ومعروفا ومعترفا به من الجميع. ومن هنا بدأ العمل بتسجيل العقارات في سجلات رسمية, وأصبح هذا التسجيل هو السند الرئيسي للملكية.


ولكن نظم التسجيل تطورت بدورها, حيث كانت تعتمد في البداية علي التسجيل الشخصي باسم المتعاملين للمعاملات العقارية, ثم تبين أن المصلحة تقتضي أن يتم التسجيل وفقا لموقع العقار حيث تسجل كافة التصرفات التي تمت علي هذا العقار. وهذا هو مايعرف بالسجل العيني. ويسهل هذا السجل العيني معرفة أوضاع الملكية لكل موقع, وماجري عليه من تصرفات. ولاشك أن وجود مثل هذا السجل العيني يشكل خريطة كاملة للعقارات, ومعرفة وضعها القانوني ومالكيها.


وبهذه المناسبة فيلاحظ أن قانون الضريبة العقارية الجديدة يعرف المكلف بأداء الضريبة بأنه مالك العقار المبني أو من له عليه حق عيني بالانتفاع أو الاستغلال. ولما كانت الملكية وغيرها من الحقوق العينية لاتنتقل إلا بالتسجيل, فإن هناك محلا للتساؤل عن كيفية مطالبة معظم المشترين للعقارات بغير تسجيل بأداء الضريبة؟


2ــ الملكية العامة والخاصة للدولة: لعل أكبر مشاكل الملكية في مصر ترتبط بالتصرف في أملاك الدولة مما يتطلب وضوح الرؤية بالنسبة لها. ومن المستقر أن هناك نوعين من ملكية الدولة, ملكية الدولة العامة( الدومين العام), وملكية الدولة الخاصة(الدومين الخاص). وتثير الملكية الخاصة للدولة ـــ في مصر ـــ العديد من المشاكل القائمة. وتتعلق المشكلة الأولي بتحديد من يمثل الدولة في التصرفات في هذه الأملاك. وكانت مصر تعرف تقليدا قديما يخول إدارة الأملاك بوزارة المالية مسئولية التصرف في الأموال الخاصة للدولة. أما الآن فإننا نجد تعددا في القائمين بالتصرف في هذه الأموال الخاصة للدولة( الأراضي). فهناك وزارات الإسكان والإصلاح الزراعي والسياحة وغيرها, كذلك هناك المحافظات. وكل من هذه الهيئات يعتمد معايير خاصة به, والأكثر خطورة هو ان هذه الهيئات تتنازع الملكية فيما بينها. بل إن كلا من هذه الجهات يأخذ بأسلوب مختلف في التصرف في هذه الأموال( الأراضي). فهناك من يبيع الأرض مع نقل الملكية, والبعض الآخر يمنح ترخيصا للبناء والاستغلال دون ايضاح لوضع الملكية. وهذا الوضع الملتبس هو حال العديد من المنتجعات السياحية. وهكذا كانت مبيعات أراضي الدولة خلال العقود الثلاثة الأخيرة سببا كبيرا للنزاعات العقارية, كما كانت ـ في نفس الوقت ـ مصدرا أساسيا في تكوين ثروات هائلة لأعداد قليلة من الأفراد والهيئات المعروفة بقربها من السلطة.


وينبغي أن نضيف إلي ما تقدم إدارة الأوقاف الخيرية. فمنذ أن ألغت مصر نظام الوقف عام1955, آلت الي الدولة( وزارة الأوقاف) إدارة معظم الأوقاف الخيرية. وإذا كان من المفهوم ان تخصص عائدات هذه الأوقاف لرعاية العديد من الأهداف الخيرية الدينية مثل خدمة المساجد والكنائس, فإنه لا يخفي أن إدارة أموال الأوقاف هي مسألة مالية يجب ان يختص بها أصحاب الخبرة المالية, وعلي أن تخصص العائدات منها لخدمة الأغراض الخيرية. ولذلك لم يكن غريبا ان ظهر العديد من الانحرافات في إدارة واستغلال أراضي ومباني الأوقاف. وأيا ما كان الأمر, فإن إدارة الأملاك الخاصة للدولة ـ وكذا الأوقاف الخيرية ـ تحتاج الي نظام قانوني واضح ورقابة وإشراف كافيين.


3 ـ وضع اليد: ترتبط بملكية الدولة للأراضي حالات وضع اليد في معظم الأراضي المملوكة للدولة. فهناك مناطق متعددة علي أطراف البلاد سواء علي الساحل الشمالي أو في سيناء أو علي البحر الاحمر, حيث لا توجد ملكيات خاصة واضحة ومسجلة, وان كانت هناك أوضاع مستقرة لوضع اليد لعائلات أو عشائر, وهي أوضاع قائمة منذ أجيال طويلة. ومع ذلك فإن عدم وضوح هذه الأوضاع يتسبب في نزاعات كثيرة بين العائلات وأجهزة الإدارة المحلية. وليس من الطبيعي أن تستمر هذه الأوضاع الملتبسة في دولة حديثة, بل لابد من حسمها وتقنينها.


4 ـ العشوائيات: توسعت العشوائيات بشكل كبير في مختلف المناطق خلال العقود الثلاثة الأخيرة والنظرة الغالبة, عند المسئولين, هي ان هذه المباني قامت بالمخالفة لقواعد تنظيم البناء, والحقيقة أنها قامت في الأغلب من الأحيان, علي أراض غير مملوكة وغير مسجلة. وبالنظر الي الازدحام السكاني بها وقصور إمكانيات البناء الشعبي, فإنه من غير الممكن ـ سياسيا ـ طرد هؤلاء السكان منها. ولذلك يتطلب الأمر معالجة هذه الأوضاع بجدية وواقعية, بما في ذلك النظر في الاعتراف لهم بالملكية وتقنين أوضاعهم مع الالتزام بحد أدني من احترام قواعد تنظيم المباني نظير أعباء مالية مقبولة.


5 ـ إعادة النظر في قوانين الإيجار القديمة: ربما أكثر من نصف الثروة العقارية في المدن تخضع لقوانين الإيجار القديمة, مما يفقدها الكثير من قيمتها الاقتصادية, ويكاد يخرجها من دائرة التعامل الاقتصادي, وإذا كانت هناك اعتبارات انسانية وسياسية تتطلب مراعاة ظروف المستأجرين من الفقراء والطبقة المتوسطة وبالتالي إعانتهم, فإنه من الطبيعي أن تتحمل الدولة هذه الإعانة ولا تلقي بها علي عاتق الملاك غير المحظوظين, الأمر الذي يقيم تفرقة غير دستورية في المعاملة بين ملاك العقارات. وهذه القضية تتطلب المعالجة بسياسة تدريجية خلال فترة انتقالية, مع العمل علي تطبيع أوضاع هذه الملكيات ومساواتها بغيرها من العقارات خلال فترة محددة, وبعدها تعود هذه الثروة الي دائرة النشاط الاقتصادي في ظروف عادية.


6 ـ إعادة تنظيم مهنة سمسرة العقارات: يتطلب إدماج قطاع العقارات في دائرة التعامل الاقتصادي ضبط عمليات البيع والشراء للعقارات علي نحو منظم, وبما يحقق مصالح البائعين والمشترين, ويساعد علي خلق سوق منتظمة للعقارات مع قيم معروفة لأسعار العقارات. وكل هذا يتطلب إعادة النظر في مهنة السمسرة بحيث يؤهل العاملون بها بالمعرفة القانونية مع تحملهم المسئولية عن سلامة عمليات البيع والشراء, وخضوعهم للرقابة والإشراف.


وهكذا يتضح أن موضوع الثروة العقارية يحتاج إلي نظرة متكاملة تعيد لهذا القطاع حيويته بإدماجه في الاقتصاد الوطني وإزالة أسباب الالتباس والغموض حولها. ومن هنا يبدأ الإصلاح. أما الاقتصار علي الإجراءات الفوقية مثل إنشاء هيئات جديدة للتمويل العقاري أو فرض ضرائب عقارية جديدة وقبل إصلاح جذور مشكلة الثروة العقارية في مصر, فإنه يبدو لي اختيارا للسهولة مع إبقاء جوهر المشكلة علي ماهو. والله أعلم

أضف تعليقك