الموثقين في عيون الصحافة العربية والدولية
وليد فهمي يكتب : أول وأقدم عقد رسمي موثق ومكتوب في التاريخ

2022-04-09 01:37:47

بقلم وليد فهمي | رئيس إتحاد موثقي مصر

 

أول وأقدم عقد رسمي موثق ومكتوب في التاريخ 

 

يحتل علم ومهنة التوثيق  والتسجيل منزلة رفيعة ومكانه كبيرة في الحياة الإنسانية والقانونية لكل الدول لأنه يعمل على حفظ الحقوق وحمايتها طبقاً للقوانين الشرعية والوضعية وبه تضبط المراكز القانونية للأشخاص وإجبارهم على إفراغ اتفاقاتهم أمام كاتب عدل (موثق رسمي) يُراعى عدم خروج هذه المُحررات عن أحكام شريعتنا الإسلامية الغراء والنظام العام والآداب ووفقا لأحكام الدستور والقانون ويحمى المجتمع من الاتفاقات والتعاقدات المريبة التي قد تضر امن وسلامه المجتمع، بما أن التوثيق والتسجيل نظام قانوني يُمكن أصحاب الحقوق والأملاك من حقوقهم وأملاكهم ويحفظ المال لأهله ويجنب المتعاقدين من مزالق الحرام والاتفاقات المحرمة ويصون أعراض الناس ويثبت نسب الأبناء إلى أباءهم وبه يحسم الخصومات والنزاعات وتسد أبواب المنازعات وهو ما يعرف بالعدالة الوقائية من خلال منع ودرأ حدوث المنازعات .

 

أول وأقدم عقد رسمي موثق ومكتوب في التاريخ

أول وأقدم مُحرر رسمي موثق ومكتوب في التاريخ حُرر ووثق بين كلاً من: -الله تعالى عز وجل – طرف أول، وسيدنا ادم عليه السلام -طرف ثاني، والملائكة – شهود وموضوعه كالتالي:

لما نزلت آية الدين ([1]) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ([2]): " إن أول من جحد آدم، عليه السلام، أن الله لما خلق آدم، مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذارئ إلى يوم القيامة، فجعل يعرض ذريته عليه، فرأى فيهم رجلا يزهر، فقال: أي رب، من هذا؟ قال: هو ابنك داود. قال: أي رب، كم عمره؟ قال: ستون عاماً، قال: رب زد في عمره. قال: لا إلا أن أزيده من عمرك. وكان عمر آدم ألف سنة، فزاده أربعين، فكتب عليه بذلك كتابا وأشهد عليه الملائكة، فلما احتضر آدم وأتته الملائكة قال: إنه قد بقي من عمري أربعون عاماً، فقيل له: إنك قد وهبتها لابنك داود. قال: ما فعلت. فأبرز الله عليه الكتاب، وأشهد عليه الملائكة "

خلق الله تعالى آدم عليه السلام بيده، وكرمه وأسجد له ملائكته، وخلق منه حواء، وجعل منهما الذرية والنسل، وأجرى عليهم المقادير بحكمته، وكما فعل آدم عليه السلام فعلت ذريته من بعده؛ من النسيان، وغير ذلك، كما يخبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في هذا الحديث: "لما نزلت آية الدين" وهي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} [البقرة: 282]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول من جحد آدم عليه السلام" والجحود هو الإنكار والتكذيب بالأمر، "إن الله لما خلق آدم، مسح ظهره"، أي: مسح الله سبحانه بيده ظهر آدم، " فأخرج منه ما هو ذارئ إلى يوم القيامة" والمعنى أن الله سبحانه أخرج من ظهر آدم بقدرته كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، قيل: المقصود أن الله أخرج مثاله وأمثلة أولاده في عالم الغيب، "فجعل يعرض ذريته عليه"، بمعنى ينشرهم أمامه ليراهم، " فرأى فيهم رجلا يُزهر"، أي: يلمع ويبرق من وضاءته ونوره، فقال آدم عليه السلام: "أي رب من هذا؟" يقصد الرجل الذي في ذريته ويظهر نوره فيهم، فقال الله عز وجل: "هو ابنك داود، قال: أي رب كم عمره؟" أي: ما مقدار عمره وكم سيعيش؟ "قال: ستون عاما، قال: رب زد في عمره، قال: لا" إشارة إلى أنه سبحانه قدر له عمره ولن يزيده شيئا، "إلا أن أزيده من عمرك، وكان عمر آدم ألف عام، فزاده أربعين عاما"، وبذلك يكون عمر داود عليه السلام مئة سنة، وعمر آدم عليه السلام 940 سنة، " فكتب عليه بذلك كتاباً وأشهد عليه الملائكة"؛ ولعل ذلك لتعليم الله خلقه الكتابة والتوثيق، أو لعله لعلم الله سبحانه بما سيكون من إنكار آدم، "فلما احتضر آدم، وأتته الملائكة"، أي: جاءت الملائكة إلى آدم لقبض روحه وإنهاء حياته، "قال: إنه قد بقي من عمري أربعون عاما"،

 وفي رواية الترمذي: "فكان آدم يعد لنفسه"، أي: يقدر ويحسب لنفسه سنه وعمره الذي يعيشه، " فقيل له: إنك قد وهبتها لابنك داود" فذكروه بما أعطى لداود من العمر، "قال: ما فعلت"، وهذا جحود وإنكار ونسيان لما وهبه من عمره لداود عليه السلام، "فأبرز الله عليه الكتاب، وأشهد عليه الملائكة"، أي: أخرج الله عز وجل لآدم الكتاب الموثق الذي قد كتبه عليه، وما كان من شهادة عند الملائكة، وفيه إشارة إلى أن آدم عليه السلام لم يتذكر سريعاً ما نسيه، بل ظهر منه الإنكار.

وفي رواية الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: فمن يومئذ"، أي: من ذلك الوقت، " أمر بالكتاب والشهود"، أي: شرع الله عز وجل توثيق المُعاملات بين الناس؛ إما بكتاب يكتب، أو إشهاد الشهود؛ حتى لا تضيع الحقوق بين النسيان والجحود. وفي الحديث النبوي الشريف: إرشاد إلى الكتابة والشهود في المعاملات، وبيان أن ذلك من السنن والشرائع التي أقرت مع خلق آدم عليه السلام.

فـ مما لا خلاف عليه أن التوثيق والتسجيل يمكن أصحاب الحقوق والأملاك من حقوقهم وأملاكهم ويحفظ المال لأهله ويُجنب المُتعاقدين من مزالق الحرام والاتفاقات المحرمة ويصون أعراض الناس ويثبت نسب الأبناء إلى أباءهم وبه يُحسم الخصومات والنزاعات وتسد أبواب المنازعات.

فـ التوثيق والتسجيل الذي نعرفه الآن في مصر هو في الحقيقة قبل أن يكون وظيفة حكومية هو في الأصل مهنة مُقدسة إسلامية عريقة جليلة مُهمة جداً للمجتمع والأفراد تناول تنظيمها وأحكامها القرآن الكريم ، واشترط في القائمين عليها من الكُتاب بالعدل (الموثقين) ([3]) العدالة والنزاهة والحياد والشرف والتجرد والإلمام الكامل بكافة العلوم الفقهية حيث تناولتها كافه دول العالم بالحماية والاهتمام واحتفظت لها بمكانه راقية وضوابط وشروط وإجراءات معينة تهدف إلى حماية ونزاهة وحياد القائمين عليها جنباً إلى جنب مع سهولة الحصول عليها بعيد عن أي روتين أو فساد قد يخرج هذه المهنة كرسالة سامية من مضمونها ونبل أهدافها ومبادئها السامية في حماية حقوق وأموال وملكيات وإعراض المواطنين من تدخل وعبث الفاسدين

واعتباراً للأهمية البالغة لهذا العلم من العلوم الشريفة المقدسة ونظراً لخطورته نجد الشارع الحكيم قد خلد في القرآن الكريم أمداً وساقه في أطول آية في القرآن الكريم على الاطلاق وهو ما يعرف بـ "دستور الموثقين" – الآية 282 من سورة البقرة -

وهو الأمر الشرعي الوارد في قوله تعالى:{.. فَاكتُبُوهُ وَ لْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كاتِب بِالْعَدْلِ }

وأمرنا الله عز وجل في محكم آياته الكريمة بعدم الاضرار والاساءة الى الكُتاب بالعدل (الموثقين ) في قوله تعالى { وَ لا يُضارَّ كاتِبٌ وَ لا شهِيدٌ } أنه المعنى الكامل المُحكم للحماية والاستقلال لعمل الموثقين (الأعضاء الفنيون بالشهر العقاري) ضد اي ضغط او تهديد او ارهاب وظيفي قد يُمارس ضد الكتاب بالعدل (الموثقين) اثناء ممارسة عملهم في حياد وشفافية ونزاهة ، وان تم هذا الإضرار والاساءة بهم فانه فسوق في من قام به

{ إِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ ُفسوقُ بِكمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ يُعَلِّمُكمُ اللَّهُ وَ اللَّهُ بِكلِّ شيء عَلِيمٌ }

فعلاً انه وبحق تشريعاً ألهياً ، دستوراً ربانياً لتنظيم وحماية الموثقين ومهنة التوثيق والتسجيل وحقيقة مُطلقة انه " دستور الموثقين " قمة البلاغة القرآنية في هذه الآية الكريمة وحدها فهي وحدها قد ضمت وشرعت خمسة عشر حكماً شرعياً في آية واحدة من أهم الأحكام الشرعية في مُعاملات كل مسلم ،والتي يُقابلها وضعياً المادة 199 من دستور مصر 2014 ،

 " .. الأعضـاء الفـنيون بالشهر العقـاري مستقلون في أداء عملهم، ويتمتعون بالضمانات والحماية اللازمة لتأدية أعمالهم، على النحو الذي ينظمه القانون."

والتي يطالب موثقي مصر بتفعيلها بمشروع قانون يترجمها تشريعياً باعتبارها استحقاق دستوري واجب النفاذ من خلال مشروع قانون "هيئة الملكية العقارية والتوثيق" وهو محل دراسة حالياً بمجلس النواب المصري بالفصل التشريعي الثاني 2021/2025.

 

 

 

 

 

 


([1])  الآية 282 من سورة البقرة ويطلق عليها آية المُداينة ،و"دستور الموثقين" ،ويقابلها المادة 199 من دستور مصر

([2])  الراوي: عبد الله بن عباس | المحدث: أحمد شاكر | المصدر: عمدة التفسير الصفحة أو الرقم: 1/338 | حديث صحيح عن الامام ابو جعفر بن جرير: حدثنا يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال، حدثني سعيد بن المسيب: انه ابلغه ان أحدث القران بالعرش ايه الدين وقال الامام احمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمه، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس

([3]شروط وصفات الموثق وفقا للفقه الاسلامي : تقوى الله تعالى وأن يستحضر في قلبه أنه يريد بكتابته بالعدل حفظ أموال الناس وفروجهم ودمائهم. ومن الشروط الواجب توفرها في الموثق (الكاتب بالعدل) ما يلي: -

1-الإسلام: والجمهور على وجوبه، ولأنه يُحتاج إلى شهادته، بل ربما لم يرد منه التوثيق إلا لأجل الشهادة، ولأنه لا يؤمن الكافر أن يحرف بالكتابة أو يخون، أو يطلع على أسرار المسلمين، قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودُّوا ما عنتم" .

2- العدالة: لأنه يحتاج إلى شهادته، فوجب كونه عدلاً، ، قال الإمام مالك "ويشترط في ذاته أن يكون عدلاً مأموناً" كما قال تعالى" وليكتب بينكم كاتب بالعدل".

3- الفقه بعلم الشروط (علم التوثيق والكتابة بالعدل)، أي: إتقان صنعة الكتابة، بأن يعرف ما يكتب، وكيف يكتب، ومنها الإحاطة بالأحكام الشرعية المتعلقة بالوثيقة المراد تحريرها، ومن ذلك أن يجب أن يعرف مثلاً عدم جواز شهادة الأصول والفروع لبعضهم، وأن الهبة لابد لها من القبض حتى تتم، وينص عليها في العقد أنه قبلها، والوصية يعلم أنها لا تصح لوارث ..الخ

واستحب بعضهم في الموثق عدة صفات أخرى هي:

1- أن يكون مُتجنباً للمعاصي. 2- أن يكون سميعاً. 3- أن يكون بصيراً. 4- أن يكون متكلماً.  5- أن يكون يقظاً، فلا يترك فراغاً في الوثيقة أو بين الأحرف يمكن أن يزاد فيها. 6- أن يكون سالماً من اللحن.  7- أن يكتب الوثيقة بخط بين يقرأ بسرعة وسهولة وبألفاظ بينة غير محتملة ولا مجهولة،  8- كما استحب بعضهم أن يكون عالماً بلغات الخصوم حتى يكتب عنهم مباشرة دون مترجم.   9- وأن يكون عالماَ بالحساب ليسهل عليه قسمة المواريث.  10- وأن يجتنب مصاحبة الأراذل والأسافل من الناس.  11- معرفته بأحوال البلد الذي يكتب لأهله. 12- أن يكون ورعا عفيفا عن الطمع.


 

أضف تعليقك