مقالات الاعضاء
المحكمة الدستورية العليا : الشهر العقاري يجب أن يكون مستقلاً

2020-03-09 11:39:45

بقلم وليد فهمي | رئيس إتحاد موثقي مصر

المحكمة الدستورية العليا : الشهر العقاري يجب أن يكون مستقلاً
 
في منتصف عام 2018 وتحديداً بتاريخ  2 / 6 / 2018 ،صدر حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 10 لسنة 35 ق " دستورية عليا ،، بعدم دستورية تشكيل اللجنة القضائية بنظام السجل العيني بالشهر العقاري والذي ينظمها المواد [21-23 -24] من قانون السجل العيني  رقم 142 لسنة 1964 ، و هو النظام الثاني للتسجيل العقاري بمصر بجانب نظام الشهر الشخصي الذي ابتكره المستعمر الاجنبي في المستعمرات المحتلة ، لتمكين الأجانب من تملك الأراضي ومزاحمة المواطنين الأصليين في تملك الأراضي والتعامل عليها والتصرف فيها ، و لم يعد يتم استخدامه إلا بمصر ، ويتخذ من الاشخاص اساسا له لتسجيل الملكية العقارية ، بحيث يتم البحث عن الملكيات والحقوق العينية الأخرى في فهارس هجائية تضم اسماء الأشخاص والذي ينظمه القانون رقم 114 لسنة 1946 .
 
 
و نظام السجل العيني هو نظام قانوني حديث نسبياً للتسجيل العقاري بمصر تم إقراره تشريعياً عام 1964م ، ولم يدخل حيز التطبيق العملي الا بعد 11 عام من صدوره ، بسبب تأخر صدور لائحته التنفيذية من وزير العدل ؟! ، وما زال يواجه صعوبات في تعميمه على مستوى الجمهورية ، وهو النظام القانوني للتسجيل العقاري المنتشر تقريبا بجميع دول العالم ، والذي يتخذ من العقارات ذاتها اساسا له ، بحيث يفرد لكل وحدة عقارية صحيفة تعتبر شهادة ميلاد العقار ،و يدرج فيها بيانات العقار والمتعاملين عليه والحقوق المتعلقة به.
 
 
و لم تنجح الدولة حتى الآن في تعميم نظام السجل العيني حتى الآن على كامل الجمهورية ، بسبب مشاكل عملية وإدارية كثيرة أهمها ضعف الهيكل الإداري لمصلحة الشهر العقاري والتوثيق وعدم امتلاكها الأدوات والآليات والصلاحيات والسلطات اللازمة لتنفيذه بكل الجمهورية ، ثم صدر حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 10 لسنة 35 ق " دستورية " جلسة 2 / 6 / 2018 ،، بعدم دستورية اللجنة القضائية بنظام السجل العيني ، وأسباب حكمها الدستوري أن اللجنة التي أنشأها المشرع بالسجل العيني عام 1964 يغلب على تشكيلها العنصر الإداري (لجنة من ثلاثة أعضاء)[عضو قضائي + عضوان من الشهر العقاري ] ولا يتوافر في شأن عضوي الشهر العقاري بالضرورة شرط التأهيل القانوني من تحقيق دفاع الخصوم وتقدير أدلتهم ، وإن توافر ، فهما يفتقدان لضمانتي (الحماية والضمانات) + (الحيدة والاستقلال) اللازم توافرهما في القاضي ،و أن المشرع منح هذه اللجنة رغم طبيعتها الإدارية ، ولاية الفصل في خصومة عقارية قضائية ، و أن القرارات التي تصدر من هذه اللجان ، لا يمكن وصفها بالأحكام القضائية ، فهي لجان إدارية ، وما يصدر عنها لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً وليست له من صفة الأحكام القضائية شيء ، لأنها تنتمي الى مكاتب السجل العيني بالشهر العقاري وهي بالطبع مكاتب إدارية تنفيذية بحته وتتبع مصلحة غير مستقلة في الأساس ، وأعضاءها القانونيين غير مستقلين ، وتخضع لقانون الخدمة المدنية ،  بل وتتبع في النهاية وزارة تنفيذية ، وجميع كل ما سبق إداري تنفيذي بحت غير مستقل وغير محايد ولا يجوز منحها سلطة الفصل في النزاعات العقارية القضائية حتى ولو بين تشكيلها قاضي ، و بصدور حكم عدم دستورية تشكيل اللجنة القضائية بالسجل العيني ، ينتهي بذلك للأسف ما تبقى من نظام السجل العيني بمصر ويتوقف كلياً العمل به .
 
 
 واللجنة القضائية بالسجل العيني والتي حكم بعدم دستوريتها ، هي النواة الوحيدة والحصرية والرئيسية والتي يقوم عليها نظام السجل العيني بمصر حالياً ، فهي المسؤولة عن القيد الأول للوحدات العقارية التي سيطبق عليها نظام السجل العيني وما يلحقها من دعاوي وطلبات وتظلمات ، وأحد أهم مميزات نظام السجل العيني ، وليس لها مقابل بنظام الشهر الشخصي .
 
وأسباب منح قرار اللجنة القضائية بالسجل العيني الصفة والحجية القضائية :-
 
1-اكتساب الحجية القضائية الملزمة لقراراتها لتكون فاصلة ونهائية وملزمة للنزاعات العقارية.
2-لتكون بمرتبه ودرجة الأحكام القضائية النهائية والعقود الرسمية الموثقة .
3-خطورة اختصاصها القضائي دون غيرها بالفصل في النزاعات العقارية الناشئة عن تطبيق نظام السجل العيني على الأقسام المساحية الجديدة .
4-تطهير العقار من كافة الشوائب والنزاعات القديمة والقائمة والمحتملة .
5-سرعة دعم استقرار الملكية العقارية وحمايتها وهو أهم أهداف قانون السجل العيني .
6-علاج عيوب نظام الشهر الشخصي وقصوره في تحقيق الحماية الكاملة والنهائية للملكية حتى للعقود المشهرة الصادرة عنه .
 
وعلى الرغم من ذلك صدر الحكم بعدم دستورية جميع النصوص القانونية المنظمة لها والقرارات الوزارية واللائحية الصادرة عن وزارة العدل ، وجميع المنشورات الفنية والكتب الدورية ذات الصلة والصادرة عن مصلحة الشهر العقاري والتوثيق مما تسبب في فراغ تشريعي قاتل لقانون السجل العيني وإلى جانب فشل تطبيقه العملي مجتمعان معاً ، تسببوا في انهيار نظام التسجيل العيني كليا بمصر .، وامتدت الازمة الدستورية ليصيب عوار عدم الدستورية أيضا اللجنة المنصوص عليها بقانون تسجيل المدن العمرانية الجديدة رقم 27 لسنة 2018 ، لأنها نسخة طبق الأصل من اللجنة القضائية بالسجل العيني من حيث التشكيل والاختصاصات والسلطات والقرارات والتظلم منها  ، وبالتالي أيضا تهديد دستوري بتوقف العمل به أيضا في أي لحظة .
 
وأصبحت القرارات الصادرة عن هذه اللجنة إدارية بحتة وبالتالي يجوز الطعن عليها والتظلم منها أمام القضاء الإداري على الرغم من كونها تتعلق بـ الحقوق العينية العقارية ، وهي عند النزاع القضائي تخضع للقضاء المدني العادي ، وبالتالي أصبحنا أمام زعزعة وعدم استقرار كبير في هندسة النظام القضائي المصري ككل .و تحول قرارات اللجنة القضائية لقرارات إدارية ، أفقدها حجيتها القضائية وأصبحت بالتالي غير قادرة على أي تغيير في البيانات العقارية بالسجل العيني ، لا من حيث إنشاءها ، أو نقلها ، أو زوالها ، لأنه لا يمكن تغيير الحقوق العينية العقارية ،  إلا بموجب عقد رسمي موثق من المتعاقدين ، أو بموجب حكم قضائي نهائي من القضاء العادي صاحب الولاية في المنازعات العقارية القضائية المدنية  وأصبحت قرارتها بالتالي غير ملزمة للكافة والغير ، ولا حتى أطرافها من أصحاب الشأن من ذوي المصلحة المباشرة ، وبالتالي غير قادرة على الفصل في النزاع العقاري، وانهيار قدرتها على تطهير العقار من كافة الشوائب والنزاعات القديمة والقائمة والمحتملة ، وبالتالي ، انهيار آخر في استقرار الملكية العقارية بمصر ، والمزيد من المنازعات .
 
وهو ما دفع الحكومة الى تقديم مشروع قانون جديد للسجل العيني لعلاج أزمة الحكم بعدم دستورية اللجنة القضائية بالسجل العيني ، من خلال زيادة عدد القضاة باللجنة ليكون ثلاثة قضاه بدلاً من قاضي واحد وعضوان من المصلحة ، وبالطبع العوار الدستوري مازال قائم أيضا بمشروع الحكومة ، فسبب الحكم بعدم دستوريتها ليس عدد العنصر القضائي بل في عدم استقلال الشهر العقاري وأعضاءه ولا يتمتعون بالحياد والصفة القضائية ، وحتى ولو كان جميع أعضاء اللجنة من القضاة ، ستظل أيضاً لجنة إدارية وقراراتها إدارية ، وهو ما سببه وأستند إليه حكم المحكمة الدستورية العليا رقم 10 لسنة 35 ق " دستورية عليا "وهو ما أنتقده قسم التشريع بمجلس الدولة على مشروع قانون السجل العيني المقدم من الحكومة ، ولعلاج هذه الأزمة الدستورية ، هو تحويل مصلحة الشهر العقاري والتوثيق إلى هيئة قانونية مستقلة ، تضم لجان عقارية ذات اختصاص قضائي متفرعة من الهيئة المستقلة ذات الاختصاص القضائي ، وتشكيل كامل أعضاء اللجنة من الأعضاء الفنيين بالشهر العقاري بعد منحهم الاستقلال والحماية والضمانات تنفيذا لنص المادة 199 من دستور مصر ومراعاه لحكم المحكمة الدستورية العليا ، ولن يتم ذلك إلا تشريعياً بمحراب البرلمان المصري .
 
فهل يفعلها البرلمان ؟! ويعالج العوار الدستوري الذي أصاب قانون السجل العيني رقم 142 لسنة 1964 ، وأصابه في مقتل وأوقفه عن العمل منذ صدور حكم الدستورية العليا ، وسيلحق به أيضا قانون التسجيل العقاري بالمدن العمرانية الجديد رقم 27  لسنة 2018 ،ويكون مجلس النواب إذا أمتلك القوة التشريعية ليكون صاحب الفضل ، لعلاج أزمة دستورية كبيرة ، ولا علاج لحلها إلا بمشروع قانون ، وبالفعل المشروع موجود وتحت تصرف مجلس النواب ، والمقدم من أكثر من 60 نائب ، ومودع باللجنة التشريعية منذ دور الإنعقاد الأول ، تحت عنوان " هيئة الملكية العقارية و التوثيق " -مشروع قانون من 140 مادة في خمسة أبواب -  تطوير وإعادة هيكلة شاملة كاملة موضوعياُ وإجرائياً لمصلحة الشهر العقاري والتوثيق كهيئة قانونية مستقلة (مالياً – فنياً – إدارياً)  ذات اختصاص قضائي ، بما يضمن قيامها بدورها القانوني كمكون من مكونات منظومة العدالة المصرية،و وفقاً لضوابط نص المادة 199 دستور مصر والتي نصها " الأعضاء الفنيون بالشهر العقاري مستقلون في أداء عملهم ، ويتمتعون بالضمانات والحماية اللازمة لتأدية أعمالهم ، على النحو الذى ينظمه القانون ."
أضف تعليقك