اخبار عامة
أزمة زحام الشهر العقاري وقلة عدد الموثقين والموظفين وعلاجها تشريعياً

2020-03-14 04:47:36

بقلم وليد فهمي | رئيس إتحاد موثقي مصر

أزمة زحام الشهر العقاري وقلة عدد الموثقين والموظفين وعلاجها تشريعياً 
 
 
زحام مكاتب الشهر العقاري ، أزمة يعيشها الجميع خلال تجربته في توثيق عقوده بالشهر العقاري ، اعترفت بها الدولة ، وأثارها مجلس النواب مئات المرات سواء من النواب أو من رئيس مجلس النواب ، وتناولتها كافة وسائل الاعلام المصري المقروءة والمرئية آلاف المرات على مدار السنوات الأخيرة الماضية وحتى اللحظة ، طوابير طويلة من المواطنين امام مكاتب الشهر العقاري والتوثيق ، زحام لا ينتهي ومازال ، وعجز شديد لا يتوقف في عدد الموثقين والموظفين بالمكاتب ومازال ، وسوء حاله المقرات الغير آدمية ومازالت ، وخلق انطباعاً سيئاً ، سواء تجاه جمهور المواطنين او حتى لدى الموظفين ، ولا نبالغ ان ذكرنا المستثمرين والأجانب ايضاً المتعاملين مع الشهر العقاري ، وبطء الاجراءات سواء بالمكاتب اليدوية أو المميكنة ، وتدني الخدمات وصعوبة الحصول عليها ، وبسبب الزحام وضعف درجة أمان الوثيقة المقدمة لهم ، وسهولة تزويرها ، ، ، انتشرت ظواهر إجرامية منها سماسرة التوكيلات ، وعصابات تزوير محررات الشهر العقاري الرسمية ، ومنها ما تم اكتشافها والقبض عليها من الجهات الأمنية والرقابية ، ومنها ما زال مستتراً ، وأصبحت مكاتب الشهر العقاري المصرية نموذجاً مثالياً للبيروقراطية الوظيفية المريرة التي يعاني منها الوطن والمواطن  .
 
 
 
وعلى الرغم من جهود وزارة العدل الأخيرة في توفير عدد من الموثقين من خلال مسابقة نقل باحثي القانون من الجهات الحكومية الأخرى الى الشهر العقاري، و على الرغم من تأخر الإعلان عنها وعن نتيجتها عدة سنوات ، حتى زادت حدة الأزمة  ، لما يقرب من الثلاث سنوات ، ولم ترى المسابقة النور إلا بعد ضغط البرلمان والإعلام ، و رغم ما اعترى عملية النقل من صعوبات إدارية ومالية من استلام للعمل والتوزيع ونقل درجاتهم الوظيفية المالية ،ومرتباتهم المتأخرة وما زالت الصعوبات مستمرة  حتى الآن ، وكادت أن تفشل عملية النقل الوظيفي كلياٌ ، لو لا تدخل السيد رئيس مجلس الوزراء شخصياً لإنقاذها ، وان كان هذا الحل التنفيذي المحدود في مجمله ، حل مؤقت فقط  ،ولن يعالج الازمة كلياً ، وسرعان ما ستظهر الأزمة مرة أخرى خلال شهور قليلة ، بسبب خروج العشرات من الأعضاء القدامى بالشهر العقاري على المعاش شهرياً ، وبالتزامن مع فتح عشرات المكاتب الجديدة شهرياً ؟!! ، ومع إنتهاج نظام الشباك الواحد في مكاتب التوثيق المميكنة ، والذي يعتمد بصفة أساسية على الموثقين (الأعضاء القانونيين) وبعدد كبير لضمان نجاح نظام الميكنة في إصداره الثاني ، ولأسباب أخرى كثيرة ، فـ حالياً ومستقبلاً لن تنجح فكرة النقل الوظيفي من الجهات الحكومية إلى الشهر العقاري ، ولسبب جوهري أنه حالياً غالبية الجهات الحكومية تعاني بشدة من العجز القاتل في الأعضاء القانونين ولن تسمح وتوافق على النقل ، وهو ما حدث بالفعل في مسابقة النقل الأخيرة والأولى من نوعها في تاريخ الشهر العقاري ، فمكاتب الشهر العقاري ، تحتاج إلى دماء جديدة من الموثقين بصفة دورية منتظمة مستمرة لتعيين عدد ثابت من الموثقين سنوياً من خريجي كليات الحقوق من خلال مسابقة سنوية على الأقل ، فلا يكفي العدد الحالي (3000 عضو) منهم 2000 موثق فقط بالمكاتب الأمامية بالتعامل المباشر مع جمهور المواطنين ، أننا نتحدث عن مائة مليون مصري ، و 15 مليون معاملة توثيق سنوياً ، واثنان مليار إيراد مالي سنوي ، وبالتالي منطقياً ، فنحن نحتاج إلى تعيينات جديدة بصفة دورية ، حتى نصل بعدد الموثقين إلى عشرة ألاف موثق على الأقل خلال عامين من الآن بحد أقصى .
 
 
إذن فالأزمة مستمرة وينبغي ان ينظر إليها بمزيد من الجدية ، والتحليل ، والبحث ، وليس حلول تنفيذية مؤقتة ، وعلى الجميع كلاٌ في موقعه ، القيام بواجبه وكامل مسؤوليته ،  ونحن بدورنا " إتحاد موثقي مصر " ومن منطلق واجبنا الوطني ، تجاه وطننا الحر مصر ، وتجاه موثقي مصر ، نقدم حل جذري تشريعي وحقيقي للأزمة ، لضمان تيسير وتسهيل الخدمة القانونية التي يقدمها الشهر العقاري للمواطنين ، وهو ما أعلنته الدولة لتيسير سائر الخدمات الحكومية ومن بينها خدمات الشهر العقاري والتوثيق ، وأصبح ثابت للجميع ان أزمة الشهر العقاري المثارة حالياً لا حل لها إلا تشريعياً بمشروع قانون جديد يقره مجلس النواب يضمن إعادة هيكلة الشهر العقاري إدارياً وفنياً التطوير الشامل لمنظومة الشهر العقاري من خلال مشروع قانون "هيئة الملكية العقارية والتوثيق" والمودع باللجنة التشريعية بمجلس النواب منذ فترة، ويهدف إلى تطوير وإعادة هيكلة شاملة لمصلحة الشهر العقاري والتوثيق كهيئة قانونية مستقلة فنيا وإداريا وماليا وتكون ذات اختصاص قضائي يضمن قيامها بدورها القانوني ويتمتع أعضاؤها الفنيين بالضمانات والحماية اللازمة لممارسة عملهم القانوني باستقلال وفقًا للمادة 199 من الدستور، وصولًا بالهيئة المقترحة تشريعيًا إلى تطبيق المعايير الدولية في توثيق وتسجيل العقود، ودعم استقرار وحماية الملكية العقارية والمنقولة والفكرية. وبما يحقق فعلا اتجاه الدولة  نحو التخفيف على المواطنين وتيسير الخدمات القانونية المقدمة لهم من الشهر العقاري، وتوفير البيئة المناسبة نحو نجاح الرقمنة والميكنة والتطوير والتكنولوجيا للمكاتب.
 
 
والعلاج التشريعي لأزمة زحام مكاتب توثيق الشهر العقاري يجب ان يكون تشريعياً ، من خلال تسهيل واختصار إجراءات التوثيق وإعادة تنظيم دورة العمل الحالية بنظام تشريعي جديد مطبق دولياً ، يعالج القصور ومساوئ النظام الحالي من خلال مقترح تشريعي بمشروع القانون بإلغاء العمل بالدفاتر اليدوية بالمكاتب اليدوية والتي يتم العمل بها منذ عام 1947 م ،والاستعاضة عنها ببدائل جديدة أقل تكلفة وأسرع زمنياً وأكثر أماناً وأعلى جودة ومطابقة للمعايير الدولية لأمن الوثائق الرسمية من خلال نظام الوثيقة الموحدة - أصل وصورة ورقية مؤمنة -، وبدون إثقال موازنة الدولة بأي مصاريف وأعباء  لتحويل المكاتب اليدوية الى مكاتب مميكنة بالكمبيوتر بالكامل ، وبجانب العمل بنظام المكاتب المميكنة كلياً حالياً وعلاج أزمة انقطاع الشبكة "السيستم" من خلال نظام شبكات جديد لا مركزي في الإصدار ومركزي في حفظ البيانات سواء للمكاتب اليدوية او المميكنة، وعبر منصة شبكات  "بلوك تشين" ،  و أيضاً سيحقق ذلك القضاء كلياً على ظاهرة زحام مكاتب التوثيق وانقطاع الشبكة ، بجانب توفير أكبر قدر للموثق من البحث الفني ،والمراجعة القانونية السليمة للمحرر المراد توثيقة، مما سيكون له بالغ الأثر في خروج عقد توثيقي سليم ومحكم الالتزامات وكامل الحجية ، كضمان حقيقي لحماية حقوق المتعاقدين والمستثمرين ، وتوفير منتج قانوني فاخر يليق بمصر والمصريين وكذلك إعادة النظر في نظام الحفظ والارشفة الحالي بمكاتب التوثيق بما يتواكب مع النظم العالمية الحالية. وهو ما تم تحقيقه في مواد مشروع قانون "هيئة الملكية العقارية والتوثيق"
 
 
والعلاج التشريعي لمشكلة العجز الشديد المستمر في عدد الموثقين والموظفين هو بخروج الهيئة المقترحة تشريعياً من نطلق تطبيق قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2018 ، وخضوعها لقانون خاص أعضاء وموظفين فمن خلال مشروع القانون المقترح ينظم تعيين الأعضاء والموظفين بها بصفة منتظمة ودورية من خلال مسابقات سنوية بالتعيين و بمعايير قياسية دولية ، لاختيار أفضل الأعضاء ، والموظفين ، وتدريبهم لضمان كفاءتهم لمعالجة هذا العجز الحاد بعدد الموثقين والموظفين الإداريين ، وستساعد الموازنة المستقلة على توفير مرتباتهم وأجورهم من خلال مضاعفة الإيرادات بعد تسهيل إجراءات التسجيل العقاري والتوثيق والتي ستصل الى ما يقرب من المائة مليا سنوياً وهو ما تم تحقيقه بالفعل تشريعياً بمشروع القانون سابق الإشارة إلية .
 
 
حيث أصبح ثابت للجميع ان أزمة الشهر العقاري المثارة حالياً لا حل لها إلا تشريعياً بمشروع قانون جديد يقره مجلس النواب ، يضمن إعادة هيكلة شاملة للشهر العقاري ، من خلال هيئة مستقلة ، كما طالب بها الفقيه الدستوري الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب ، ومع التأكيد على أن أي مشروع قانون للتسجيل العقاري أو حتى تعديل محدود ، لابد ان يسبقه تطوير وإعادة هيكلة شاملة لمكاتب الشهر العقاري ، حتى لا تكون المكاتب سبب فشل تطبيق التعديل التشريعي على أرض الواقع شكلا وموضوعاً ولن يتحقق ذلك سوى بتحويل الشهر العقاري لهيئة مستقلة بمشروع قانون يجمع بين إعادة الهيكلة الإدارية و العلاج الموضوعي الفعال لأزمات وعقبات التسجيل العقاري والتوثيق . 
 
و نحن بدورنا "إتحاد موثقي مصر" نطالب الدولة مراراً وتكراراً و بكافة سلطاتها [التشريعية والتنفيذية والقضائية]الى القيام بدورها بواجبها الوطني و الدستوري والموافقة على مشروع القانون الذي يحقق هدفاً قومياً لمصر والمصريين ، وكتطور تشريعي منطقي وحتمي بعد مرور أكثر من 73 عام على قانون انشاءها في 1946 دون تغيير ، وأصبح عاجزاً تشريعياً عن تحقيق أهدافه ، وبما يترجم نص المادة 199 من الدستور ،و بما يضمن قيامها بدورها القانوني كمكون من مكونات منظومة العدالة المصرية ، وهو مطلب حكومي مستمر ومطلب عام شعبي متجدد من جميع فئات الشعب ، وصولاً بالهيئة الى تطبيق المعايير الدولية في توثيق وتسجيل العقود . ولن يتحقق ذلك إلا بموافقة تشريعية ، فهل يفعلها مجلس النواب ؟؟  و ينفذ وعده عن عدم التراجع عن استقلال الشهر العقاري ، كما صرح رئيس مجلس النواب ، أم سيظل الشهر العقاري يعاني من أزماته المعروفة للجميع ، ولم تعد تصلح المسكنات العلاجية لجسد يحتضر ، والترميمات التشريعية لعقار آيل للسقوط في أي لحظة ...!
أضف تعليقك